لماذا يفضّل المستثمرون الهنود دبي؟

برزت الهند كمصدر رئيسي للاستثمار الأجنبي المباشر في دبي، في حين شهدت التجارة الثنائية بين دولة الإمارات والهند قفزة نوعية إلى مستويات قياسية، ما يعكس عمق العلاقات الاقتصادية المتنامية بين الشريكين التاريخيين.
تُعتبر العلاقة الممتدة بين دبي والهند واحدة من أقدم وأنجح الشراكات في المنطقة. فقبل تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1971، كانت العلاقات التجارية بين الجانبين راسخة، ومع صعود مكانة دبي باعتبارها المركز الاقتصادي الأهم في الشرق الأوسط خلال العقود الأخيرة، ارتقت الشراكة إلى مستويات غير مسبوقة.
سجّلت دبي استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 52.3 مليار درهم (14.2 مليار دولار أمريكي) خلال عام 2024، بزيادة قدرها 5% عن عام 2023. وشكّلت الهند وحدها 21.5% من هذا الإجمالي، بضخ استثمارات بلغت 3.05 مليارات دولار أمريكي – أي ما يعادل زيادة بمقدار خمسة أضعاف مقارنة بالعام السابق – لتصبح بذلك المستثمر الأكبر في دبي لأول مرة.
وأطلق المستثمرون الهنود أكثر من 1,800 مشروع استثماري مباشر في دبي خلال 2024، من بينها ما يزيد عن 1,100 مشروع استثماري جديد (Greenfield) شملت قطاعات متنوعة مثل العقارات، التكنولوجيا، الخدمات التجارية، اللوجستيات والرعاية الصحية.
وفي هذا السياق، صرح إبراهيم أهلي، مدير إدارة ترويج الاستثمار في "مؤسسة دبي لتنمية الاستثمار" (Dubai FDI)، قائلاً: "لطالما كانت الهند شريكاً استثمارياً رئيسياً لدبي، لكن عام 2024 يُمثل نقطة تحول بارزة. نحن نشهد جيلاً جديداً من المستثمرين الهنود في قطاعات تتماشى مع اقتصاد دبي المستقبلي."
اتفاقية التجارة الحرة تعزز مستويات قياسية من الاستثمار والتبادل التجاري
جاءت هذه الطفرة الاستثمارية والتجارية في أعقاب توقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة (CEPA) بين دولة الإمارات والهند في عام 2022، والتي أسهمت بشكل كبير في تعزيز الروابط الاقتصادية بين البلدين.
فمن خلال إلغاء أو خفض الرسوم الجمركية على أكثر من 90% من السلع المتبادلة، وإزالة العديد من العوائق غير الجمركية، وتبسيط الإجراءات الجمركية، أسست الاتفاقية لبيئة تجارية أكثر انفتاحًا وكفاءة.
كما تضمّنت الاتفاقية بنودًا لتسهيل ممارسة الأعمال، وتشجيع تدفقات الاستثمار، وتعزيز التعاون في مجالات مثل الخدمات والتجارة الرقمية وحقوق الملكية الفكرية. وبفضل ذلك، أصبح من الأسهل بكثير على الشركات في كلا البلدين التوسع في أسواق بعضهما البعض، ما ساهم في تسريع حركة التجارة وفتح آفاق جديدة للنمو.
وتجلّى أثر الاتفاقية في القفزة الكبيرة التي شهدها حجم التجارة السلعية بين الجانبين، حيث ارتفعت من 43 مليار دولار أمريكي في السنة المالية 2020‑2021 إلى نحو 84 مليار دولار أمريكي في السنة المالية 2023‑2024.
كما ارتفع حجم التجارة غير النفطية بين الإمارات والهند بنسبة 20.5% ليتجاوز 65 مليار دولار أمريكي خلال 2024. ولا تزال الهند الوجهة الأولى لصادرات الإمارات غير النفطية، إذ تستحوذ على 13.5% من إجمالي الصادرات، ما يعكس زيادة سنوية بنسبة 75% في حجم الشحنات الإماراتية غير النفطية إلى الهند.
الملايين من الرعايا الهنود يؤسسون حياتهم في الإمارات
تستضيف دولة الإمارات ما يقارب 3.8 مليون مواطن هندي، ما يجعلهم أكبر جالية مقيمة في البلاد. وتُقدّر تحويلاتهم المالية من الإمارات إلى الهند بنحو 25 مليار دولار أمريكي سنويًا، أي ما يعادل قرابة 20% من إجمالي التحويلات العالمية للهند، والتي يُتوقع أن تصل إلى 129 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2025.
كما استحوذ المستثمرون الهنود على 21% من إجمالي مشتريات العقارات من قبل الأجانب في دبي خلال عام 2024، وارتفعت هذه النسبة إلى 22% حتى الآن في عام 2025، لتكون بذلك الأعلى بين جميع الجنسيات، وفق بيانات دائرة الأراضي والأملاك في دبي.
وقد كثّفت دائرة الاقتصاد والسياحة في دبي حملاتها الترويجية للاستثمار في مدن هندية رئيسية مثل مومباي، حيدر آباد وكوتشي، مستهدفة قطاعات متنوعة تشمل التكنولوجيا، اللوجستيات، الطيران، التمويل، الرعاية الصحية والسياحة، وهي جهود لاقت إشادة واسعة من رواد الأعمال الهنود المشاركين في هذه الفعاليات.
وبالمثل، تواصل مؤسسة دبي للاستثمار الأجنبي المباشر تنظيم ندوات وفعاليات تعريفية بشكل دوري في أكبر المدن الهندية، بما في ذلك مومباي، حيدر آباد وكوتشي، لتعزيز الروابط الاستثمارية بين الجانبين.
وبحسب إبراهيم أهلي: "لم يكن هناك وقت أنسب من الآن لتعزيز الشراكة الثنائية بين دبي والهند.
فالعلاقات الإماراتية–الهندية تسير بخطى أسرع وأقوى، والقيادات من كلا الجانبين عازمة على جعل هذه الشراكة قوة محركة للتجارة العالمية. في الهند، نستطيع التواصل مع جمهورنا والانخراط معه لاكتشاف المجالات التي تتيح لدبي وضعهم في صدارة الصناعات والتقنيات الناشئة."